MAP

الذكرى السنوية الحادية والثلاثون على انطلاق مسيرة السلام في إيرلندا الشمالية الذكرى السنوية الحادية والثلاثون على انطلاق مسيرة السلام في إيرلندا الشمالية  (ANSA)

الذكرى السنوية الحادية والثلاثون على انطلاق مسيرة السلام في إيرلندا الشمالية

صادفت يوم أمس الأحد الذكرى السنوية الحادية والثلاثون لإعلان وقف إطلاق النار من قبل الجيش الجمهوري الإيرلندي في الحادي والثلاثين من آب أغسطس من العام ١٩٩٤، ما شكل تحولاً هاماً على صعيد مسيرة السلام في إيرلندا الشمالية والتي أفضت إلى التوقيع على الاتفاق السلمي المعروف باسم اتفاق الجمعة العظيمة، في العاشر من أبريل نيسان من العام ١٩٩٨.

من بين الشخصيات التي لعبت دوراً هاماً للتوصل إلى اتفاق السلام في إيرلندا الشمالية السيناتور الأمريكي السابق جورج ميتشيل، الذي شارك في أبريل نيسان الماضي في إحياء هذه الذكرى في بلفسات وأكد أن السلام في المنطقة يقدّم درساً للعالم كله بشأن فنّ الممكن، مضيفا أنه في وقت كان يرى فيه الآخرون صراعاً وجّه أهالي إيرلندا الشمالية أنظارهم نحو الأمل. وحيث رأى الآخرون انقساماً رأى السكان إمكانية في تحقيق السلام، والعمل من أجل غد مسالم ومتقاسم وتعددي، فيما كان الجميع ينطرون إلى إراقة الدماء. ولفت السيناتور الأمريكي السابق إلى أنه عندما توصلت الأطراف المتنازعة إلى اتفاق السلام، لسبع وعشرين سنة خلت، تم التأكيد على أن مآسي الماضي تركت وراءها إرثاً من الألم، لا يستطيع أن ينساه ضحايا الصراع، من قتلى وجرحى. وقد التزم الجميع في الاعتناء بعائلات الضحايا التي كان يتعين عليها أن تواجه الصعوبات على درب الشفاء.

مضى السيناتور ميتشيل يقول إن الموقعين على اتفاق الجمعة العظيمة في إيرلندا الشمالية طالبوا ببداية جديدة تُكرس فيها الجهود لتعزيز المصالحة والتسامح والثقة المتبادلة والدفاع عن حقوق الإنسان. وقد تعهدوا بالالتزام، بكل شكل واقعي وملموس، من أجل المصالحة والتقارب. واعتبر أنه أحياناً كثيرة يكفي أشخاص قليلون من أجل المساهمة في خلق جو من التغيير، ينعم فيه الجميع، مذكراً بما قاله مرة الكاتب الأمريكي جايمس بالدوين: "ليس كل ما نواجهه نستطيع أن نغيّره، لكن كل ما يجب أن نغيّره يتعين علينا أن نواجهه".

هذا ثم أكد السيناتور الأمريكي السابق – البالغ من العمر اثنين وتسعين عاما – أنه كان شاهداً على قرن تقريباً من التبدلات، والتي طُبع الكثير منها بالاضطرابات، وقد أحدث معظمها تغييراً كبيرا. فيما يتعلق بإيرلندا الشمالية، أشار إلى القناعة آنذاك بأنه لا توجد مشكلة لا يمكن تخطيها، إذا ما كانت لدى النفس البشرية الرغبة بالإيمان في إمكانات الآخر، معتبرا أن الأفكار التي كانت في الماضي عبثية أو مبالغة أصبحت الخبز اليومي للعاملين من أجل السلام.

وتساءل ميتشيل: من كان قادراً على الإيمان بإمكانية السلام بعد التفجيرات الكثيرة التي حصلت، وإزاء المتاريس والحواجز التي أقفلت الطرقات وأمام نقض العهود التي قُطعت؟ وتابع قائلا إن السلام كان يبدو مستحيلا في الأعوام ١٩٦٨، ١٩٧٤ و١٩٨١. وقد أحبط العزيمةَ الانفجارُ الذي وقع في أوماغ، عام ١٩٩٨، بعد أربعة أشهر على التوقيع على اتفاق الجمعة العظيمة. ومع ذلك استمر العمل من أجل السلام، والآن عادت الحياة إلى طبيعتها في إيرلندا الشمالية، فالمدن تشع بالأنوار، والقرى تنبض بالحياة، والمناطق الحدودية تنعم بالهدوء والسلام.

بعدها قال ميتشيل إنه إذا ما أردنا أن نستمر في الازدهار، ثمة حاجة ملحة للتأمل في المستقبل ولأن نفكر إلى أين نحن ذاهبون، وإذا فعلنا ذلك بصورة جيدة ستُنير النتائجُ العالم وإذا أخفقنا سيلفّ العالمَ الظلام. وأضاف أن السلام الذي صنعناه وتنعم به المنطقة منذ عام ١٩٩٨ ينبغي أن يتطور، وهناك دائما حاجة للعمل من أجله. علينا أن نعترف بالماضي، لكن ينبغي ألا نتعلق به، وواجبنا يقتضي التجدد المستمر، ونحن نحتاج إلى فكر ناشط وتخطيط فاعل. وذكّر السيناتور الأمريكي السابق بأننا نعيش في عالم مطبوع بالدمار والحروب الأهلية، والمصادمات والانقسامات فضلا عن التضليل الإعلامي، والتلكؤ عن معانقة التقدّم، وهذا ما يحصل في العالم كله، لكن لا بد أن تنظر الدول التي تعاني من الحروب إلى إيرلندا الشمالية على أنها منارة في مجال الالتزام لصالح السلام.

وأكد في الختام أن صنع السلام في المنطقة لم يكن سهلاً على الإطلاق، وقد تطلب الأمر سنوات طويلة، وصبراً وصموداً ورغبة وشجاعة، فضلا عن القدرة على الإقناع، والتضحيات الشخصية والسياسية، لكن في نهاية المطاف رأينا مسؤولين سياسيين وموظفين رسميين وأشخاصا عاديين يتحدون ويتخطون الانقسامات. وقال يجب ألا نسمح لدخان القنابل بوقف رياح التغيير، لافتا إلى أن حفنة صغيرة من الأشخاص المفعمين بالأمل يمكن أن تصنع هذا التغيير، وهذا الأمر يتحوّل في نهاية المطاف إلى موجة عاتية تجتاح كل شيء.

01 سبتمبر 2025, 12:36