الدَين الإيكولوجي، الكاردينال بارولين: الفارق الكبير بين شمال العالم وجنوبه هو غير عادل
"للأسف، علينا أن نعترف بأن السياق التاريخي المقلق الذي نعيشه اليوم يتّسم بكثرة الانقسامات، وكثرة الجراح الناتجة عن الكراهية والعنف والأحكام المسبقة والخوف من المختلف، وكذلك بسبب نموذج اقتصادي يستغل موارد الأرض ويهمّش الفقراء"، هذا ما قاله قال الكاردينال بييترو بارولين، أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان، مستشهدًا بمقطع من عظة قداس بداية الحبرية للبابا لاوُن الرابع عشر، في افتتاح كلمته التي ألقاها مساء السبت ٢١ حزيران يونيو، خلال اللقاء الذي عقد في روما حول موضوع "الدَين الإيكولوجي" ضمن فعاليات يوبيل الحكّام والمسؤولين.
وأمام حشد من ممثلي الحكومات الأجنبية والإداريين المحليين الإيطاليين المجتمعين في قاعة "Giulio Cesare" في مبنى الـ " Campidoglio"، شدّد الكاردينال بارولين على أننا اليوم أكثر من أي وقت مضى نشهد "عجزًا كبيرًا في الإصغاء للآخر، وفي رؤية الفرص العظيمة التي تُفتح أمامنا بمجرد التعاون والتفاعل في احترام متبادل ووعي مسؤول بأن كل شيء مترابط". ومن هنا تبرز الحاجة الملحّة إلى: "بناء عالم جديد يسوده السلام، وهو هدف صعب لكنه محفّز في الوقت عينه، ولدينا الإمكانيات لتحقيقه. إنَّ ما نحتاج إليه هو "نظرة جديدة" نحو "عالم جديد" قادرة على قراءة التحديات و"علامات الأزمنة" التي يمكنها أن تساهم في السلام من خلال تعزيز الحوار الاجتماعي وإعادة اكتشاف الرجاء الذي تحثّنا عليه عبارة "Spes non confundit"، أي الرجاء لا يُخيِّب.
هذا واعتبر أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان أن محوريّة الكلمة وجوهريّة الرسالة الإنجيلية "يشكلان ببساطة أساسًا حقيقيًا لسلام المسيح القائم من بين الأموات، سلام مجرّد من السلاح ويُجرِّد من السلاح، متواضع وثابت، ينبع من الله، الله الذي يحبّنا جميعًا بدون قيد أو شرط"، وذلك في استشهاد آخر بكلام البابا لاوُن الرابع عشر. وفي حديثه عن الدَين الإيكولوجي، أوضح الكاردينال بارولين أنه يُمثّل "اللاعدالة في التفاوت بين الأضرار البيئية التي سببتها الدول الغنية، وخصوصًا في شمال العالم، والمعاناة التي تتحمّلها الدول الفقيرة في جنوب العالم. وبالتالي فالالتزام بخفض الأثر البيئي هو أيضًا وسيلة لمعالجة مسألة الدَين المالي. ومن الضروري تغيير البنية المالية العالمية، ليس فقط من خلال إدراج بنود تأخذ بعين الاعتبار التغير المناخي في الديون، بل أيضًا من خلال إعادة صياغة شاملة للنظام المالي".
وأشار الكاردينال بارولين بشكل خاص إلى أن "من يقرر نسب الفائدة وسعر العملات هي البنوك المركزية والصناديق المالية الخاصة؛ والقوانين التي تحكم العقود تُسنّ في الدول التي تستضيف البورصات"، وقال: "إنَّ الدعم المالي يأتي من المقرض الأخير، وهو صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، واللذان يملك أسهمهما الرئيسية الدول الدائنة"، وأضاف: "حتى التمويل الخاص يتدخل "لإنقاذ" الدول المُدينة، ولكن عبر صناديق مضاربة. وبالتالي فالإطار المشترك لإعادة هيكلة الدَين لا يعمل لأنه لا يمثّل الشعوب، بل القوى القديمة والجديدة المهيمنة".
هذا وقد ترأس اللقاء السيناتور بيير فيرديناندو كازيني، الرئيس الفخري للاتحاد البرلماني الدولي، الذي دعا المجتمع الدولي إلى الإصغاء إلى كلمات البابا وتطبيقها، لأنها "تذكّرنا بواجب حماية الخير العام، وهو ما يجب أن تفعله السياسة الجيّدة لتحقيق توزيع عادل للموارد". ومن جانبه، قال عمدة روما، روبيرتو غوالتييري، في كلمته الرسمية: "إن مفهوم الدَين الإيكولوجي يُظهر المسؤولية التي تقع على عاتق الدول المتقدمة تجاه الدول النامية". وفي السياق نفسه، قال رئيس إقليم لاتسيو، فرانشيسكو روكا، في مداخلة قصيرة: "عندما نرغب في ممارسة السياسة النبيلة، لا بدّ أن نبدأ من الإصغاء إلى صوت الفقراء؛ نحن بحاجة إلى استعادة الدور السياسي القادر على استيعاب معاناة الناس". وقد شارك في اللقاء أيضًا رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق والسيناتور مدى الحياة ماريو مونتي، الذي عبّر عن أمله في أن تنضج معالجة الفروقات بين شمال وجنوب العالم داخل أوروبا العريقة، لأنها، على حدّ قوله، "تشكّل تجمعًا من الدول ذات ديمقراطية ليبرالية راسخة وهي مؤسسة على سيادة القانون".