شباب يُبحرون لمداواة جراح بحرنا المتوسط
٢٠٠ شاب وشابة من مختلف الثقافات والأديان من شمال إفريقيا والشرق الأوسط والبحر الأسود وبحر إيجه والبلقان وأوروبا، يجمعهم حلم واحد: بناء السلام والعدالة في البلدان المطلة على البحر الأبيض المتوسط، والتي تمزقها الصراعات العرقية والسياسية والدينية، وتعاني من الفقر الذي يجبر مئات الآلاف من الأشخاص على الهجرة سنويًا بحثًا عن حياة أفضل، فضلًا عن التحديات التي يفرضها التغير المناخي، مما يهدد التنمية الطبيعية لهذه الدول. هؤلاء الشباب سيكونون طاقمًا خاصًا لسفينة السلام "Le Bel Espoir" - التي تعني بالفرنسية "الرجاء الجميل" - والتي ستبحر من الأول من شهر آذار مارس حتى نهاية شهر تشرين الأول أكتوبر، موزَّعين على ثماني مجموعات تضم كل منها ٢٥ شخصًا، في رحلة ستشمل خمس ضفاف للبحر الأبيض المتوسط، تمر عبر ثلاثين ميناءً، حيث سيشارك الشباب في جلسات تنشئة، ومؤتمرات، ومهرجانات.
نشأت هذه المبادرة، MED 25 - Le Bel Espoir، بعد لقاءات البحر الأبيض المتوسط التي عُقدت في السنوات الماضية في باري وفلورنسا ومرسيليا وتيرانا. وقد تم تقديمها في دار الصحافة التابعة للكرسي الرسولي بحضور الكاردينال جان مارك أفيلين، رئيس أساقفة مرسيليا، الذي أوكله البابا فرنسيس بمهمة تعزيز السلام في البحر الأبيض المتوسط، والكاردينال خوان خوسيه أوميلا أوميلا، رئيس أساقفة برشلونة، والمطران جوزيبي ساتريانو، رئيس أساقفة باري-بيتونتو، والأب أليكسيس لوبرو، النائب الأسقفي لأبرشية مرسيليا والمسؤول عن العلاقات مع البحر الأبيض المتوسط. وخلال تقديم المبادرة، تذكر الكاردينالان والمطران البابا فرنسيس، متمنين له الشفاء العاجل، كما انتقدوا انتشار الأخبار الكاذبة والشائعات غير المسؤولة.
صرّح المنظمون: "لن نستسلم لترك البحر الأبيض المتوسط يتحول إلى ساحة معركة أو مقبرة. نرفض أن تسود الحجج السياسية ومفاهيم العولمة على اللقاء بين الأشخاص الذين هم أفراد فريدون لا يمكن اختزالهم في أرقام. لا يجب لمخاوفنا أن تتغلب على آمالنا." كما أكدوا على القناعة الراسخة بأن البحر المتوسط لا يزال يحمل إرثًا سعيدًا بفضل تاريخه الطويل من التعايش والتبادل الثقافي، إذ أنه غني بالتقاليد الفلسفية والروحية التي توفر مفتاحًا للمصالحة بين الشعوب والثقافات والأديان.
ستنطلق السفينة الشراعية، التي يبلغ طولها ٢٩ مترًا ومجهزة بثلاثة صواري، من ميناء برشلونة وفقًا لبرنامج مكثف. وستكون المحطات الأولى مالطا، حيث ستتم مناقشة موضوع المرأة في البحر المتوسط، ثم قبرص، حيث سيتم التطرق إلى الحوار بين الأديان، وأخيرًا تركيا، حيث سيتم التركيز على العلاقة بين التنمية وحماية البيئة. بالإضافة إلى هذه المحطات، سيقوم الشباب بزيارات لمحطات وسيطة أخرى، كما سيعيشون على متن السفينة لحظات من المشاركة والأخوَّة، مما سيساهم في بناء شبكة تضامن وصداقة تمتد إلى الجميع.
وفي مداخلته، أوضح الكاردينال جان مارك أفيلين أن المشروع يرتكز على أربع محاور رئيسية: الإصغاء إلى الجراح والإمكانات الموجودة في مختلف ضفاف البحر الأبيض المتوسط. التعاون من خلال تحفيز الشراكات وتبادل المشاريع مع مختلف الجهات الفاعلة. العيش المشترك على أسس السينودسية والأخوَّة. بناء ثقافة الحوار والسلام.
وأشار الكاردينال أفيلين إلى أن كل مجموعة ستكتب فصلًا في كتاب سيتم تسليمه لاحقًا للبابا فرنسيس ورؤساء البلديات في المناطق التي ستزورها السفينة. أما الكاردينال خوان خوسيه أوميلا أوميلا، فقد أكد أن "مشاركة الشباب في هذه المبادرة تهدف إلى بناء الرجاء"، موضحًا أن التنوع الذي يتم الاعتراف به والتصالح معه وتقديره يساعد في تعزيز جميع الهويات الوطنية والدينية التي يحتاجها البحر الأبيض المتوسط. كما وجه بدوره تحية إلى البابا قائلاً: "نصلي من أجل أن تتحسن صحته".
أما الأب أليكسيس لوبرو، فقد شدد على أهمية تحمل مسؤولية الهوية من أجل التوصل إلى سرد مشترك وعادل، مؤكدًا أن الحوار لا ينشأ تلقائيًا، بل يجب تعزيز ثقافة تدعمه. كما أشار إلى الحاجة إلى نشر ثقافة الدبلوماسية. وفي ختام اللقاء، أوضح المطران جوزيبي ساتريانو أن MED 25 - Le Bel Espoir، ليس مجرد حدث، بل هو مسيرة بدأت في باري عام ٢٠٢٠، حيث اختبرنا جميعًا حوارًا مفتوحًا بلا قيود، وشدّد في هذا السياق على أنه "لا يمكننا أن نقف غير مبالين إزاء آلام إخوتنا. وهذه هي الرغبة الأعمق لدى البابا فرنسيس، الذي أراد أن تسير الكنيسة في هذا الطريق".